• +964 7903821493
  • العراق

الشــيخ علي زائر دهام الخالدي المخزومي


تمهيـــــــــــد :

 

تميزت مدينة النجف الاشرف ، بانها مدينة علمية ، دينية، ادبية، شعرية، اذ خر ّجت علماء وفقهاء مع ماخر ّجت من الادباء والشعراء ، كما انها امتازت بمنتدياتها الادبية التي تقام في بيوتات اصحابها ، وكان واحد من هذه المنتديات ( او المجالس الادبية كما تسمى في العراق هو ، مجلس الشيخ حسن بن الشيخ محمد صالح بن الشيخ علي بن الشيخ زائردهام الخالدي المخزومي ) . وهو جد للمتـَرجـَم له ( الشيخ علي الخالدي المخزومي ) في سنة 1882م وقد أرّخ تاريخ عمارة هذا المجلس العلامة الشيخ محمد الهندي قائلا :

 

ومــاجد ســما الســماء مجده... وجــاوزت نعوتـــه الفرقديـــــن

 

حوى خصالا في العلا جمـّـــة... اعجز في احصائها الخافقيـــــن

 

يدأب في مرضــاة رب السمـا... اتعــب فيهــا قلــم الكاتبيـــــن

 

وقــد بنــى في داره قبـــة... ميــمونــة بيــاضــها كاللجيـــــن

 

فطف به مســـتلما ركــنها ...فنسكها فاق على المنسكــــين

 

وقل لدى تاريخهــا حجهــــا... قد بنيـــت لمـــأتم الحســــين

 

وبيت الشعر الاخير ، يشير الى تاريخ عمارة المنتدى او ( المجلس الادبي الثقافي ) في سنة 1882م ، على طريقة الشعر الجمـّل ، وقد سبق لي ان دونت القصيدة هذه ضمن البحث المقدم مقتبس من كتاب ماضي النجف وحاضرها ج/2 صفحة 306 وما بعدها للشيخ جعفر آل محبوبة في البحث الذي تناول رجالات فخد آل دهام (زائردهام ) الخالدي المخزومي .

 

والمجلس المذكور قد انتقل ارثا ثقافيا الى ابنه الشيخ صالح ، وبعده انتقل ليكون تحت رعاية ابنهم الشيخ علي الخالدي المخزومي ، الذي سيتناول هذا البحث قسما اولا من سيرته .

 

ثم توقف المجلس بعد وفاة الشيخ علي الخالدي سنة 1945م ، اذْ انه توفى عن ولدين ، الابن الاكبر الاستاذ عبد الاله الذي استشهد اواخر سنة 2003م ، والابن الاصغرهو د . عادل الخالدي المخزومي ،الذي شاء الله تعالى ان يكون هذا المجلس تحت رعايته ليتعهد مسيرته ابتداءا من سنة 1994م وسيستمر باذن الله تعالى (( ومعه الهيئة الادارية للمجلس المكونة من العلماء (د. طارق الجنابي و د.نعمة رحيم العزاوي و د . محمد علي الاسدي و د . كريم الخالدي و د. تحسين الوزان والاستاذ رفعت مرهون الصفار ) .

 

وقد نحى هذا المنتدى او المجلس منحىً خاصا به في ندواته الثقافية ، التي توجهت الى استذكار العلماء الاعلام ، والرجال ذوي المواقف المؤثرة في تاريخ الامة العربية والاسلامية .

 

وكذلك استضافة العلماء الكبار ، الذين تميزوا في علومهم ، ليقدموا محاضراتهم من على منبره (( في ندوات ثقافية خالدية مخزومية شهرية )) وكذلك اختص بتقديم ندوات خاصة تتناول تاريخ القبائل والعشائر والافخاذ ، ذات المواقف المؤثرة دينيا واجتماعيا وسياسيا .

 

وفي واحدة من تلك الندوات ، اقام المجلس ندوة استذكارية للعلامة الفقيه الشيخ علي الخالدي المخزومي ، تبارى خلالها المؤرخون والشعراء لذكر جوانب من شخصية هذا الرجل ، لابد للقاريء ان يتوقف كثيرا عند بعض ما ورد سواء منه نثرا او شعرا ، فان تمعن القاريء المدقق ( غير المتسرع ) فيما يراه الكتـّاب فيه ، سيجد صورة لشاب رحل الى بارئه ، وهولم يتجاوز الخامسة والاربعين من عمره بعد، لكنه ترك شيئا كبيرا جليلا في نفوس عارفيه ، يلفت نظر القاريء المتمعن ، والحريص على سبر غور شخصية المكتوب عنه ،، خصوصا والكتـّاب والقراء هم ليس فيهم اخ او اب او ابن لتلك الشخصية ، التي سنقرأ في سطورنا هذه بعضا مما قيل فيه ، ولنا فيما يتوفر عنه من كتابات عودة ان شاء الله .

 

البحـــث : -

 

فقد تقدم المؤرخ والباحث المعروف الدكتور صالح مهدي الهاشم بمختصر من بحثه عن المرحوم الشيخ علي الخالدي المخزومي بتاريخ 9/5/1999م الموسوم (( الشيخ علي زائردهام الخالدي المخزومي ، امام وخطيب جامع براثا )) اذ قال :

 

(( ما اعظم تاريخ مدينة العلم ، وما اجمل حاضرة النجف الاشرف ، بسمائها المجلوة ، وفضائها المغموس بمياه بحر النجف ، ونسيمها المبلول بخضرة سواد الكوفة ، والمعفر برمال الصحراء العربية الكبرى ، الجاف ، العليل ، الناعس ...جمعت كل طارف وتليد ، وتسربلت التراث حلية ، والمعاصرة مضمخة بعطر الاجداد ، جمعت ما كان نافعا في العلم والمعرفة ، وما كان واسعا في الافق الابلج النقي ، وما كان اصيلا في الموقف الوطني الملتزم ، تلك المستلزمات الحياتية التي انغرس نسغها في نفس كل من وُلد على ثراها ، وتنشق عطرها ، وتهجد في محرابها .

 

في بيت طيب الارومة ،حسن المنبت ،من بيوت هذه المدينة الخالدة ، وفي اللحظة التي ودع الدنيا القرن التاسع عشر بكل مافيه من مقدمات الخير والرفاهية لأهل الارض ،وما افرزه من اشرار وطغاة ، وجندوا أشر آلة حربية قتلت الناس ودمرت الحرث والنسل ، في تلك الاجواء أبصر الحياة ( الشيخ علي الخالدي المخزومي بن الشيخ صالح بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد صالح بن الشيخ علي بن الشيخ دهام ) . . . الذي سمي(زائردهام ) لورعه وعفته ، وذلك بعد زيارته الامام الرضا ( ع ) .

 

ذلك البيت العربي الشامخ المزهو ، الذي يملؤه الفخر والاعتزاز بالاصالة ، بنسبه وانتسابه ( الشيخ علي زائردهام الخالدي المخزومي ) والنسبة الى الجد الخامس الشيخ زائردهام ، عالم الفقه ، والذي وفد ( من الجزيرة العربية ) الى النجف للدراسة في جامعتها ، ثم استقر فيها ( اوائل القرن الثاني عشر الهجري ) .

 

والنسبة بعدها الى الجد الاعلى ، الى قائد من قادة الاسلام العظام ( سيف الله المسلول ) خالد بن الوليد(ض) ومن ثم الى قبيلة بني مخزوم ، القبيلة العربية التي آوت الرسول الكريم (ص) وناصرته )) .

 

كان للشيخ علي الخالدي قصائد خالدة في مدح هذا النسب والزهو به . تلك النسبة ، وذلك الانتساب اللذان تمازجا وتشابكا بتاريخ النجف الذي نقرأ فيه من جملة ما نقرأ : تاريخ الفقه والاصول والحديث والكلام والعقائد ، تاريخ الجامعة الاسلامية الشاملة ، بمن انجبت من علماء وادباء وشعراء ، هم مفاخر في التاريخ الاسلامي .

 

هناك في بيت العلماء ، شيوخ الدين آل زائردهام ، وهم من لباب مدينة النجف الاشرف والفقهاء فيها ، الوجهاء من اهلها ، ترعرع ونشأ وتربى الصبي والشاب وطالب العلم والشيخ الوقور والشاعر الوجداني ( الشيخ علي زائردهام الخالدي المخزومي ) .

 

انضم مبكرا مع كوكبة من أقرانه ، اتذكّر منهم المرحومين أخاه الدكتور مهدي المخزومي والاستاذ الشيخ محمد صالح الجعفري والشيخ عبد الغني الخضري والشيخ قاسم حرج وشقيقه الاستاذ الدكتور ابراهيم الوائلي والشاعر الخالد السيد محمود الحبوبي والشيخ محمد علي اليعقوبي والشيخ محمد حسن حيدر والشيخ كاظم السوداني والشيخ عبد المنعم الفرطوسي ، ممن يفوقون العد ، ولا يبلغهم الحصر ، الذين انضموا فيما بعد الى جمعية الرابطة الادبية ، وجمعية التحرير الثقافي التي اضحى الشيخ علي الخالدي معتمدا لها ورأس جماعتها .

 

انضم اهل تلك الشريحة مبكرين للدرس والتفقه في حلقات الحوزة العلمية ، طلبة علم لايبغون من شرف ، ولايطلبون من هدف الاّ خدمة هذا الدين ، وخدمة لغة القرآن الكريم التي طالما هددتها تيارات متعددة تدعو لمسخها ، ولكن لغة القرآن في جامعة النجف الكبرى ، وكما في غيرها من الحواضر والمؤسسات . . . استمرت واينعت وترسخت . . . .

 

وما ان انهى الشيخ الخالدي مرحلة المقدمات ، وانجز بجدارة دراسة السطوح ، وتهيأ للمضي في دروس الخارج ، كلـّفه المرجع الديني ( السيد ابو الحسن الموسوي) للقيام بسفارة الى اهل بغداد والعطيفية ، وبمهمة ما كانت سهلة ، بل غيرت مسار حياة الخالدي ، ووضعته مبكرا مع الحياة وجها لوجه .

 

فقد وجد السيد ابو الحسن الموسوي في تلميذه الشيخ الخالدي ، الطالب الجاد المتمكن في الفقه والاصول ، وتفاصيل العبادات والمعاملات ،والوجه الاجتماعي ، فوجه بواسطته كتابا بتاريخ ( 14/رجب/1352هـ ــ 1933م ) تضمن تكليف الشيخ الخالدي بمهمة الامامة والخطابة في (جامع براثا )، والصلاة بالناس جماعة ، والعمل على اعادة بناء ذلك الجامع الذي آل الى الانهيار.

 

فإنتقل الشيخ الشاب المتوثب المتحمس لخدمة الدين في هذه الرقعة المهمة بين مثيلاتها . ولمعرفة عظمة هذا الشيخ وأهميته بين اقرانه في تلك الفترة ، وانه اهل للثقة ، يمكننا معرفة ذلك من أهمية الاختيار ودقة الانتقاء من بين عشــرات الزملاء . . . لقد كان التكليف فذا ، والمهمة عظيمة ، لأن (جامع براثا) كان وما زال من اهم المراكز العبادية في بغداد ، فيه الدعوة الى الله ، وفيه الارشاد الديني ، وفيه الدرس الفقهي ، ومنه تصدر الفتيا وتعرف الشريعة .

 

تولى الشيخ علي الخالدي المخزومي الامامة في هذا الجامع المبارك الذي اذن الله تعالى ان يذكر فيه اسمه ، وهو اقدم مسجد في بغدا د حين كانت بغداد قرية اتخذها المنصور عاصمة له ، نعم كان (جامع المنصور) اول مسجد شيد في مدينة السلام ( عام 145هـ ــ 762م ) على يد الخليفة المنصور ، لكن (جامع براثا) شيد عندما كانت بغدا قرية زمن الامام على بن ابي طالب (ع) عام ( 37هـ ــ 657 م ) بعد رجوع الامام علي من حربه مع الخوارج ، وعلى هذا فان( جامع براثا) يتميز بخصوصية قد ترقى به الى رحاب المشاهد المقدسة ، وعبق مزارات الاولياء والأئمة والصالحين . مسجد(براثا ) هذا محجة الوافدين والزوار ، وملاذ المهموم والحائر ، وملجأ الخائف ، ومأوى المعوز ، فيه تطمئن النفوس وتهدأ الافكار وتستقر القلوب.

 

يؤكد المتابعون لتاريخ ( جامع براثا )، ان آخر تعمير وتشييد وتجديد( لجامع براثا ) كان عام ( 1070 هـ ــ 1659 م ) وبقي على حاله تلك ، حتى حلول الشيخ علي الخالدي بتاريخ ( 14/ رجب / 1352هـ 1933م ) اي ما يناهز ثلاثة قرون ، وهي مدة طويلة ، تتصدع لها ارسخ البنايات ، وعلى هذا شمـّر الشيخ الخالدي عن الساعد ، واستنفر الهمة وتوكل على الله تعالى ، وكتب الى اهل الخير من اهل المنطقة في وثيقة محفوظة لدينا ، يقول : ((السلام على اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، لايخفى ان جامع براثى يحتاج الى اصلاح ، وهو جامع قديم ، صلى فيه امير المؤمنين عليه السلام ، وقد آل الى الانهيار ، فنرجو مساعدتكم اسبوعيا ، بما يتيسر ، وجزاكم الله خيرا ، والسلام .

 

واعد الشيخ علي الخالدي صندوقا لهذه التبرعات ،ولكنه لم يوفق التوفيق كله لتهديم هذا الجامع واعادة تشييده ، لظروف البلد الاقتصادية والمعاشية الحرجة في ذلك الزمن ، اذ كانت الحرب العالمية الثانية تطحن الجميع ، بشرا واقتصادا ، فلم يتمكن الشيخ الخالدي ورغم مرور عشر سنوات على مهمته تلك ، الا ّ من ترميم المسجد وصيانته ، مكنت المسجد ان يصمد خمس عشرة سنة اخرى ، اذ تصدى بعدها بعض الخيـّرين عام (1375 هـ ــ 1955م ) من تعمير الجامع وبناء منارته على الوجه الذي نجدهما عليه اليوم .

 

كان المرجع الديني (السيد ابو الحسن ) معجبا غاية الاعجاب بتلميذه الشيخ علي الخالدي ، وكيله في منطقة العطيفية في بغداد وامام (جامع براثا )، نقرأ هذا في وثيقة اخرى صادرة من السيد ابو الحسن الموسوي ، وهي معنونة الى بعض وجوه المنطقة والمتدينين بها .

 

وصف فيها الشيخ علي (( بجناب العالم الفاضل )) وهو واحد من اوصاف التكريم والتبجيل ، جاء في هذه الرسالة ايضا ( انكم ( اي المؤمنون من اهل المنطقة ) هذه السنة اي سنة 1352هـ ــ 1933م ، رجعتم الى التقليد في اخذ احكامكم الشرعية بواسطة ارشاد ومتابعة جناب الشيخ علي (الخالدي ) لكم فجزاكم عن انفسكم خيرا ، لازلتم موفقين لأرشاد المرشدين ، فعليكم بسماع ارشاده ومراجعته ( اي الشيخ علي الخالدي ) في وجوهكم الشرعية ، فان الواصل اليه يصلنا ، وهو محسوب لكم انشاء الله تعالى / التوقيع ابو الحسن الموسوي .

 

وبين يدي هذه الورقة الكثير من هذه الوثائق التي تشير الى مكانة هذا الرجل في فترة مهمة من حياة هذا الوطن العزيز ، قد تاخذ وقتا كثيرا لعرضها ، سنرجع اليها في مناسبة اخرى انشاء الله .

 

الخاتمـــــة :

 

الشيخ علي الخالدي المخزومي ، واخوه الدكتور مهدي المخزومي ،، قبسان من نور واحد ، بَزَغا في سماء النجف وبغداد ، خَبــَا الاول منهما مبكرا عام (1365هـ ــ 1945 م ) في 25/كانون الاول/1945م ، وهو العالم ، فقد انتقل الى الرفيق الاعلى شابا في الخامسة والاربعين من العمر ،، واستمر القبس الآخر يضيء رحاب العلم ، ويملأ الدنيا ، نحوا ولغة وادبا ، وكأنه بذلك يعوض بعطائه الثر عطاء اخيه الذي انقطع ، فكانت مسيرة الدكتور مهدي المخزومي النحوي اللغوي مكملة لمسيرة اخيه الشيخ علي الخالدي المخزومي في الفقه والادب .

 

الرحمة والرضوان للشيخ علي الخالدي الذي توهج ثم هوى شابا لم يكمل الدرب .

 

والرحمة والرضوان لأخيه العالم امير النحاة وعميد اللغويين والادباء الدكتور مهدي المخزوم

 

هذا ما كتبه والقاه الدكتور صالح مهدي الهاشم الزبيدي لمنسبة استذكارية المرحوم الشيخ علي الخالدي المخزومي ، المنعقدة في مجلس عادل المخزومي ، في بغداد ــ المنصــور بتاريخ 9/5/1999م .

 

للموضـــوع بقية ( قصائد شعرية قيلت فيه )

 

د عادل الخالدي المخزومي